Navigation

دوزان الكمان الغربي والشرقي والتركي

في البداية، يتوجب علي أن أعرض المتداول في المدى الصوتي لآلة الكمان. إذا كنا أخذنا بالسلم المعدل الغربي، و قلنا أن "لا" أو A ترددها هو 440 هرتزاً - عدد اهتزازات الوتر في دقيقة و احدة - فإن هذه اللا هي الرابعة و تأتي بعد الدو الوسطى - أي الثالثة - C على البيانو. نقول، و حسب الصورة أدناه، فإن المدى الصوتي للكمان في أقصاه يقارب خمسة دواوين أو أوكتافات و الأوكتاف هو ثماني نغمات.
دوزان الكمان الغربي والشرقي والتركي


 الحديث عن دخول آلة الكمان الغربية، عالم الشرق، من الهند إلى فارس و تركيا والعالم العربي إلى حدود المغرب، قد تنسب إلى شخص أو قصة أو تربط بالربابة و الكمان من سلالتها، أو الربابة من حيث بدّل العازفون ربابتهم بالكمان الأكثر تطوراً و لو قيل أن عازفوها الأوائل كانوا يعزفونها كالربابة صوتاً و وضعاً. هذا حديث آخر. لنأخذ ظلاً من هذا.

آلة الكمان الغربية في الشرق، تشبه أهلها، لها صوتهم و أنغامهم و تأوّهاتهم و حلياتهم و زخارفهم، هي جزء منهم و ربما تصدرت آلاتهم التقليدية في قربها منهم و ظهر ذلك في تفضيلها و شيوعها. و لنأخذ ظلاً من هذا.

ما الأسباب جعلتها منسجمة كل هذا الإنسجام، قريبة إلى القلوب، تنافسُ حتى الآلات التقليدية السابقة عليها؛ التي نشأت في الشرق؟ أظن أن الأسباب تأتي من  مدى الإمكانيات و كثرة المتغيرات و مرونتها و إمكانية تبديل هذه المتغيرات مع بعضها البعض و جمعها و تفريقها و تبديل درجات ظهورها و ضمورها. مثال على تلك المتغيرات، في اليد اليمنى، و أعني اليد التي تمسك بالقوس. تقنيات القوس قد تصل إلى ٤٠٠ تقنية و منها العزف بكعب القوس و وسطه ورأسه و بكل القوس و بكل أنواع الضغوطات و القوس مميلاً يميناً و شمالاً و راقصاً و سريعاً و بطيئأ و أين يُعزف به قريبا من لوحة الأصابع أو الجسر  .. إلخ... إضافة إلى كل ما يمكن اختراعه بسهولة عند العازف حسب ما يريد. و كذلك الإمكانيات الموجودة في اليد اليسرى، و أولها غياب الدساتين، الذي يسمح بصوت متصل من أي مكان على الوتر. والصوت المتصل الذي يسهله القوس و المتقطع متى ما أردنا و يمكن لنا العزف بالنقر باليد اليمنى أو اليسرى بالنقر كنقرنا على أوتار العود بالريشة أو بالأصابع من أي اليدين. و لدينا كافة الحليات و التقنيات بشتى صنوف التنويع الذي لا يحصى. و ليس بعجيب أن تكون هذه الآلة قريبة و هي كثيرًا ما تُشبّهُ بصوت الإنسان قرباً منه في التعبير غناء إضافة إلى إمكانياتها المتقدمة في العزف الآلي مع كل هذه الإمكانيات و مداها الصوتي.

من بين هذه المتغيرات في الكمان، سأهتم بمتغير واحد هو الضبط أو الدوزان أو التعديل أو تسوية الأوتار أي Tuning، و لقد شاع استخدام كلمة دوزان بين العازفين. و لدي في الأمر سؤالين في هذه المقالة.

لنبدأ بالسؤال الأول و هو: ما هي تسوية الكمان عند العرب، بمعنى ما هي أسماء الأوتار و هل هناك أكثر من تسوية أو ضبط؟

في البداية، يتوجب علي أن أعرض المتداول في المدى الصوتي لآلة الكمان. إذا كنا أخذنا بالسلم المعدل الغربي، و قلنا أن "لا" أو A ترددها هو 440 هرتزاً - عدد اهتزازات الوتر في دقيقة و احدة - فإن هذه اللا هي الرابعة و تأتي بعد الدو الوسطى - أي الثالثة -   C على البيانو. نقول، و حسب الصورة أدناه، فإن المدى الصوتي للكمان في أقصاه يقارب خمسة دواوين أو أوكتافات و الأوكتاف هو ثماني نغمات.




 إذن الكمان يغطي المنطقة الصوتية في السلم المعدل من G3 حتىG7 و غالباً، فهذه الأربعة دواوين تستخدم في حالات الموسيقى الآلية أكثر منها مرافقة الغناء. هناك بدائل عن نظام الـ 440 اهتزازة في الدقيقة و أنظمة تناسب الشرقي أكثر و نتطرق لها في حديث آخر في ما يسمى بالطبقات. و لبعض التفاصيل، الرجاء توخي ذلك عند استعراض الأمثلة.

موضوعنا هنا هو  أنواع الضبط في العالم العربي،  وهنا أضع جدولاً بمسميات النغمات حتى نكتب بنظام : "دو ري مي" من الآن فصاعداً:


تسمية غربية
G
A
B
C
D
E
F
تسمية إيطالية
صول
لا
سي
دو
ري
مي
     فا


تسمية شرقية
قرار
يكاه
عشيران
كوشت
رست
دوكاه
بوسيليك
جهاركاه
جواب
نوا
حسيني
ماهور
كردان
محير
جواب بوسيليك
ماهوران
جواب الجواب
سهم
جواب حسيني
جواب ماهور
جواب كردان
جواب محير
جواب جواب بوسيليك
جواب ماهوران


الكمان في الموسيقى الكلاسيكية الغربية - البيئة التي وصلت بهذه الآلة إلى الكمال بشكله و صوته الشهير - تفضل تسوية واحدة هي من الغليظ إلى الرقيق: صول ري لا مي. أما في العالم العربي، فهناك عدة تسويات شائعة أحصرها في ما يلي، و هي من الآن فصاعداً من الغليظ إلى الرقيق|الرفيع:

  1. الدوزان الغربي: صول ري لا مي.
  2. دوزان عربي شائع  و يطلق عليه دوزان الفرق و يدرس في المعاهد هو: صول ري صول ري.
  3. دوزان عربي قديم و يطلق عليه اسم كردان و هي جواب الدوكاه باسم الوتر الرقيق الأخير: صول ري صول دو.
  4.  دوزان عربي أخذ عن الأتراك و هو: صول ري لا ري - و لننتبه أن هذا ليس هو الدوزان الوحيد الذي يستخدمه الأتراك.
  5.  دوزان قليل الشيوع و هو: صول دو صول دو.
أضعها مصورة هنا







  لدينا عدة أنواع من المصادر راجعتها لمناقشة و حصر هذه التسويات، منها الكتب و التسجيلات و حديثني مع الخبراء الموسيقيين.

 أما الكتب، فسألخص لكم ما وجدته مع بعض الملاحظات المهمة. سأبدأ بأقدم الكتب التي استطعت الاطلاع عليها:

كامل الخلعي في كتابه "الموسيقى الشرقي" الذي طبع  حوالي سنة ١٩٠٢م، : يذكر الخلعي الكمان في كتابه تحت عنوان: الكمنجة الإفرنجية، و يذكر ان ضبطها يبدأ من الغليظ إلى الرقيق كالتالي: قرار رست، ثم وتر أرق يعملونه يكاه،  ثم وتر أرق يجعلونه دوكاه ثم يلي ذلك وتر نواه.

 عوداً على كتاب الخعلي، و تحت هذا العنوان ذاته، يذكر أن المصريين في وقته يشدونها كالتالي: يكاه عشيران نواه و كردان أي صول لا صول دو، و رغم أن هذا غير معقول، إلا إذا كانت المسميات فيها نسبة إلى حروف -نغمات - أخرى، فإن المهم هو أننا نرى أن الخلعي يذكر أن تغيير الدوزان في مصر كان لتسهيل الأخذ بإصبعين بدل ثلاثة أصابع و عدم الصعود بها إلى وجه الكمنجة - ويقول و "لكن بخلاف القواعد الأساسية الموضوعة لهذه الآلة، و تدل على عدم مهارة المشتغل بهذه الكيفية و البرهان على ذلك أن تنظر أربابها من الإفرنج فيتضح لك الفرق بين الوجهين."

أما بعد ذلك، فيضع الخلعي فصلاً بعنوان الكمنجة العربية: و لكنه يخص بها الرباب. و يذكر أن الآلة يشد عليها من يسار الآلة جزرتين من شعر الخيل الأول يسوّى نواه و الثاني يجعلونه دوكاه، و أحيانا رست و يعتبر هذه الآلة غير مكتملة.

وبالتأمل في الأمر، فإن هذه التسوية المذكورة  في البداية هي كتسوية صول ري صول دو، ولكن الدو التي يطلق عليها الخلعي نغمة "رست" ربما بسبب تعدد تسميات النغمات بما يقابلها بالتسمية الشرقية. وضع دو قبل صول ري صول … بمعنى خفض مسميات النغمات والانتهاء عند الوتر الثالث بنغمة صول أي النواه بدل الانتهاء بالكردان أو المحير. هذا الدوزان هو نازل برابعة. فهذا يشير إلى استخدام الضبط التركي على الأرجح.  ثم إن الشد أو الدوزان عند المصريين على ما يذكر، هو يكاه يليه عشيران أي أنه بين الوتر والوتر نغمة واحدة، وهذا يعني عدم استخدام الاوتار بكفاءة و فائدة و لا أدري إذا كان هناك حاجة لعمل مثل هذا الدوزان، فهل هذه الحاجة تتحول إلى شيوع و عموم تصلح لكل المقامات و كل المعزوفات حينها؟ أم في الأمر خطأ مطبعي على أحسن الاحتمالات؟ ربما هناك تفسير آخر يجود به الخبراء.

تعقيب
  من حديثي مع الاستاذ الصالحي، فالصالحي يأخذ بالموضوع أن الخلعي كان يتبع النوتة الشرقية القديمة ليصبح الضبط : رست يكاه دوكاه نواه ...بإنزاله رابعة إلى يكاه دوكاه حسيني محير، و هو ذات الضبط التركي اليوم الذي هو صول ري لا ري. 

 و أشار الأستاذ مصطفى سعيد، فيخبرني أن قصة الضبط المذكور أعلاه عند الخلعي، هو بنظام المشتهر باسم الضبط التركي، كما ذكر الاستاذ الصالحي. يذكر الاستاذ مصطفى سعيد، أن الضبط هنا على طبقة المنصور أي أن درجة الرست على العود هي 98 هرتز و هي على الكمان 196 هرتز.
 و في موضوع الضبط الذي فيه العشيران، ذكر لي الاستاذ مصطفى سعيد، أن ذلك خطأ مطبعي ظهر في الطبعة الأولى من كتاب الخلعي و تم إصلاحه في الطبعة عام 1908م واستبدلت العشيران بالدوكاه. و قد أعاد مدبولي نشر الطبعة الأولى بخطأها للأسف. من هنا يكون الضبط الآخر الذي يشد به المصريون في زمن  الخلعي هو: يكاه دوكاه نواه كردان، أي صول ري صول دو - ضبط الكردان العربي القديم.


 كتاب سامي الشوا طبع عام ١٩٢١م، و أعني كتاب "تعليم الكمانجة الشرقية".  يذكر سامي الشوا أنواع الدوازين في  الموسيقى الإفرنجية والتركية والعربية:

في الموسيقى الإفرنجية: الدوزان هو كما نعرف اليوم بدءً من الوتر الغليظ إلى الرقيق أوتاره هي: صول ري لا مي وهي اليكاه و الدوكاه ثم الحسيني و البوسيليك.

أما الدوزان التركي فهو صول ري لا ري و هو ما يقابل اليكاه و الدوكاه و الحسيني و المحير.

و الدوزان العربي و هو عند سامي ري لا ري صول، و يقول أنه يقابل بالترتيب اليكاه و الدوكاه والنواه و الكردان أي عندنا اليوم صول ري صول دو. و من حديث لي مع الاستاذ أحمد الصالحي في هذا الخصوص من تسمية سامي  للدوزان العربي باسم "ري لا ري صول"، أكد التفسير بأن نظام النوتة المستخدم في كتاب سامي هذا، هو نظام النوتة الشرقية القديمة و هو ما يستخدم في تركيا اليوم. فهم يكتبون النغمة على الدو و يعزفونها على الفا كما في دولاب الجهاركاه المدون في كتاب سامي هذا، أي أن الدو هي دو لفظياً و لكنها تعزف فا، أي أن هناك مسافة رابعة في العزف دائماً. في كتاب سامي، لم يذكر دوزان العرب الشائع و هو صول ري صول ري و هو له من عزفه مجموعة من التجسيلات منها موشح "يا غصن نقا". و لم يذكر أيضاً دوزان صول دو صول دو، و هو استخدم هذا الأخير في عزفه لبعض المقطوعات مثل تسجيله في اسطوانة "الرقص العربي". هناك بعض القطع و المعزوفات التي عزفها في تسجيلاته المتوفرة مما لا ينطبق عليه أي من هذه التسويات المذكورة أعلاه أو حتى في كتابه المبكر هذا و سنتطرق لها فيها بعدُ في الأمثلة السمعية.

أما كتاب توفيق الصباغ "الدليل العام في أطرب الأنغام" الذي طبع عام ١٩٥٠، فيذكر فيه الصباغ أن الدوزان العربي لا يفرق كثيراً عن الإفرنجي ولكن له تأثيراً سيئأ كبيرا على أنغامنا لو عزفناها عليه. والنغم لا يخرج بالطلاوة والتأثير إلا إذا كان بدوزان عربي. و يستشهد بمقام السيكا لو عزف على دوزان إفرنجي كيف سيستعيض و يهرب العازف من وتر إلى الخنصر أو البنصر في الوتر الذي قبله، و يهرب من اللا إلى اللا ناقصة في الوتر الذي قبله و هكذا يصبح العزف "تصويراً" كما يقول بلا طرب و ربما بنشاز يسري إلى بقية العازفين و هو كما يقول، ذات الحال مع البياتي و الرست والصبا والحجاز و هكذا.

ثم يمر بالدوزان التركي، وهو صول ري لا ري، ويقول هو أخف وطأة من الإفرنجي، ولكن في بعض المقامات يضطر العازف إلى تفادي اللا وعمل ما عمله في الدوزان الإفرنجي في ذلك الوتر. و يعلل منفعة الدوزان التركي للأتراك بأنهم يعزفون الرست من الصول و البياتي من اللا و السيكا من السي، أي يغنون موسيقاهم من طبقة أخرى. و هم بذلك يستخدمون وتر اليكاه كدوكاه. ويذكر أن الأتراك يستخدمون وتر الدوكاه عندنا كأنه يكاه عندهم في العود من حيث الاستعمال لا من حيث اسم الصوت و من هنا حصل الخطأ في التسمية عندنا.

يسهب بعد ذلك الصباغ في كتابه في حال العرب الذين درسوا على الطريقة الإفرنجية و يبين نقاط الضعف في التقاسيم و جمال النغمات و طلاوتها و التعبير والفهم و مقدار الجهد المطلوب لكي تكون شرقياً محضاً و الجهد المبذول في التمرين الغربي الذي لا يفيد كثيراً في العزف الشرقي إلا في الأقواس.

يقدم بعدها الصباغ ثلاثة دوازين في كتابه، هي العربي: صول ري صول دو، ثم التركي: صول ري لا ري، ثمالإفرنجي: صول ري لا مي. و يتطرق لتفسير سبب تغيير الوتر الرفيع في الدوزان التركي قائلا أن الدوزان التركي كالإفرنجي إلا من تبديل الوتر الرفيع من المي إلى الري لأنه لا يناسب موسيقاهم ويسبب صعوبة في العزف أو نظافة و تعبير النغمة فالأمر في النظر للمصلحة لا للتقليد الأعمى. و يبرر الصباغ اختيار أسماء الأوتار إلى سببين، هما خبرة آتية من أوتار العود و خبرة آتية من الدوزان الذي جاء مع الكمان سواء التركي أو الإفرنجي.

و يتطرق الصباغ إلى أن استخدام الدوزان التركي ينفع في حالات مثلا:
  • حجازكار على الدوكاه
  • رست دوكاه
  • نهاوند دوكاه
  • رست نوا
  • نهاوند نوا
  • بياتي حسيني
  • راست حسيني
  • نهاوند حسني
  • سيكا على درجة الأوج
و هو عنده من قبيل التسهيل. 

 ثم يذكر أن استخدام الدوزان العربي يصلح حتى في عزف الموسيقى الغربية. ويذكر شيئاً مهماً هو أن يمكن شد الوتر الرفيع في الدوزان العربي درجة كاملة ليصبح التعديل صول ري صول ري، بمعني وترين و جوابهما. يذكر الصباغ أن هذا التعديل أًصبح شائعاً الآن في البلاد العربية  و أصبح يستخدم بشكل دائم، وهو يشبه الدوزان الكردان لكن الدوزان الكردان - العربي القديم - أفضل منه. ويشرح الصباغ الأسباب بأنه كثيراً ما يصادف العازف الحاجة لعزف حجاز كردان و بياتي كردان و صبا كردان وغيرها فيضطر العازف إلى الحيلة على الوتر الرابع و تركه واستخدام الوتر الرابع الكردان من الوتر الثالث و تفادي المحير. و هنا جنبة هامة من موضوع السؤال الثاني الذي كنت بصدده:  و هو لم شاع و متى شاع هذا الدوزان الدائم الاستخدام: صول ري صول ري و كيف أصبح لا نذكر غيره، و كتاب الصباغ هذا طبع في ١٩٥٠؟


أما الكتب الأخرى التي طالعتها، فسوف أقدمها فيما يلي:

كتاب الدكتور محمود أحمد الحفني:"علم الآلات الموسيقية"، لم يذكر إلا الدوزان الغربي فقط.

ثم نأتي إلى كتاب يسري قطر "الدراسة الحديثة للكمان العربي  و نراه  يذكر تسوية صول ري صول ري. أي: يكاه دوكاه نواه محير. و ذكر أن "بعض العازفين الشرقيين يحوّلون المحير إلى كردان و هو موجود (قليلاً) و يعزف عليه بعض العازفين الشرقيين". انظروا كيف حدث هذا التحول و هذا الاستغراب من أستاذ كيسري قطر لظاهرة الكردان هذه!

كتاب إميل غصن بعنوان "مدرسة الكمان الشرقية"، يذكر تسوية واحدة: صول ري صول ري حاله حال كتاب عطية شرارة يذكر تسوية واحدة هي صول ري صول ري و هو حال كتاب عز الدين حسني إذ يذكر للشرقي صول ري صول ري و يزيد عليه ذكر الغربي صول ري لا مي.

أما  كتاب الموسوعة الشاملة للكتور يوسف عيد و انطوان عكاري ، فقد ذُكر فيه دوزان صول ري صول دو و هو الدوزان الشرقي و ذكر المؤلفان أن الكمان يتسع الى 4 دواوين من الصول الى الصول.

أما كتاب الدكتور عبدالملك خشبة بعنوان "آلات الموسيقى الشرقية"، فقد ذكر الدوزان الغربي و أن الصول الوسطى ترددها 192 أما الدوزان الشرقي: فبين أن أوتاره تسوى بمسافات أربع - كما يفعلون في العود، وهو صول ري صول دو أي: يكاه دوكاه نواه كردان. و قد يجعل الوتر الثاني الدوكاه على درجة الرست و الطريقتان تستعملان في الشرق و هو يعني أن الدوزان يصبح يكاه رست نواه كردان: أي صول دو صول دو.


نلخص الضبط الذي ناقشناه سابقاً في الكتب المذكورة  لتكون في الجدول التالي:




في الكتب الأحدث أو الكتب العامة عن الموسيقى العربية و حتى الدراسات الأجنبية، لم أجد أي شئ يتطرق بتفصيل لهذه التسويات ولم تذكر أسباب التحول إلى دوزان واحد دائم مثلما وجدنا في كتاب توفيق الصباغ و إشارات هنا وهناك. و ما وجدته كانت كتابات ليست بذات مستوى وأفضل تجاوزها.

إضافة لما ذكره توفيق الصباغ، فإن هناك مجموعة من الأسباب قد تجعل هذا التحول لشكل جامد نظنه جامع مانع هي على الأرجح:


  • التحول من التعلم من الخبرة العملية المراسية و من التعلم بالإسلوب الغير محدود بكتاب و منهج و عدة قطع و طقوس و ترتيب جامد، من أسلوب الأستاذ والمريد، و المشق، إلى أسلوب المعاهد و نسخ النظريات والتقاليد الغربية و التعليم ما بعد الصناعي.
  • تحول التخت العربي الذي يتسع لكثير من الإمكانيات والاحتمالات و بروز كل عازف مشارك فيه إلى نظام الفرق والأوركسترا، و من النظام الهتروفوني الهارموني.
  • تقلص دور العازف الفرد من ذلك في التخت أو العزف المنفرد إلى العزف ضمن مجموعة لا يفضل فيها تخالف الأصوات.
  • الاعتماد على التوزيع و تحديد النص الموسيقي حتى في اللزمات و تعدد الأصوات و التكرار و تقليل الإرتجال بالتالي انتفاء الحاجة لأي توسع كان من ضمنه التسوية في الأوتار.
  • التحول التجاري للموسيقى مما قلل عدد المقامات و الحليات و المهارات والتكنيك المطلوب إلى مجموعة قليلة من المعارف والخبرات و بالتالي أدى إلى تحديد المتطلبات للوصول إلى مستوى مقبول من التقديم للعمل. التعلم على تعديل واحد يعطينا الانطباع بأن ذلك يختصر التعلم و يبعدنا عن التذبذب بين مجموعة من التعديلات توجب على العازف مزيداً من التمرين والوقت والوعي والتفكير و حل المشكلات. 
هذه الدوزانات المختلفة تسهل على العازف التعبير والبراعة في العزف والإرتجال و التجلي و يناسب كل دوزان منها مجموعة من المتطلبات كالحليات و التنقل بين الأوتار و تسهيل التقنيات المفيدة و الحاجة المهمة في المقامات و هي تختلف في السير و المحطات التي تتوقف عليها المقامات والأجناس والمظاهر و الغماز و درجات الاستقرار وتختلف في تقاليد حلياتها و جملها التقليدية والجملة المبتكرة حال العزف بما يناسبها. 

ثم إن الأوتار المفتوحة تعطي رنيناً مستجيباً لرنين الكمان حين تعزف. فمثلاً، إذا كنا نعزف البياتي الذي يستقر على الدوكاه، فإن الوتر المفتوح إن كان دوكاه أو محير وهما درجة الري، يهتز المفتوح فيهما و يعمل رنيناً عذباً مناسباً لمقام البياتي الذي يعزف حينها. 


كان لي حديث في هذا الخصوص مع الاستاذ أحمد الصالحي و الاستاذ مصطفى سعيد والاستاذ رياض عبدالله.

ذكر لي الصالحي من خبراته مثلا، أن دوزان صول دو صول دو يصلح للحجاز كار والحجاز كاركرد و يسهل العزف أكثر حتى من الكردان.

سامي الشوا استخدم في تسجيلاته كثيرا من التعديلات منها صول ري صول دو الشهير، و صول ري صول ري الذي عزف عليه "يا غصن نقا" و عزف تحميلة الحجاز على صول ري لا ري وعزف الرقص العربي على صول دو صول دو.

وذكر لي الاستاذ رياض أن دوزان الكردان يفضل للرست والبياتي و السيكا مثلاً ويفضل الدوزان التركي لشهناز و الشد عربان وكل ذلك يأتي من الحاجة والخبرة والتجريب.


هناك مصطلح موسيقي إيطالي هو Scordatura   و هو يعني أن يعمد عازفوا الآلات الوترية إلى تبديل نغمات أوتارهم من التسوية المشهورة. و هذه الكلمة في أًصل معناها تعني mistuningg أي إساءة الدوزان. وهو تم استخدامه في الموسيقى الكلاسيكية و في الموسيقى الفولوكلورية و موسيقى الفيدل.  سأسوق لكم بعض الأمثلة من العزف العربي والتركي و الغربي بنوعيه الكلاسيكي و غير الكلاسيكي و سأضع بعض التعليق على كل تسجيل.


سامي الشوا صبا موقعاً و هو صبا فتلتين: أي يقرب و ترين من بعضهما و يعملهما نفس النغمة و يعزف عليهما


سامي في "يا غصن نقا" على الصول ري صول ري. 


سامي الشوا في تقاسيم موقعة و دولاب يسبق سماعي عربي قديم على دوزان الكردان



سامي على الكمان مع الاستاذ عبدالوهاب في سيد القمر و الدوزان التركي



توفيق الصباغ في تقاسيم رست في دوزان كردان


وهناك الاستاذ جميل بشير و الاستاذ صالح الكويتي و الاستاذ عبده داغر و كثير من الأساتذة العازفين الذين يستخدمون على الاكثر دوزان الكردان.

تنبيه: لسنا هنا بصدد تعميم ضبط الكمان على المسميات بشكل حرفي و لفظي لما ذكر أعلاه. فربما نقوم باستخدام ضبط الكردان: صول ري صول دو، و ننزل به طبقة صوتية أو نصف طبقة أو طبقة و نصف: فيكون الضبط يسمى بنفس الأسم ولكن نزولنا به طبقة يجعل من الصول في الحقيقة فا، و لكننا نعزف الفا كأننا نعزف صول.

سأضع هنا مجموعة من الأمثلة لتوضيح المسألة. في تقاسيم من السيكا و عزفه لشئ من سماعي سيكا لعثمان بك، نسمع صالح الكويتي في بستة "مسكين ياللي مبتلي"، و نرى أن الضبط هو صول ري صول ري، ولكنه في الحقيقة ضبط منخفض في تردده و يصل إلى مي سي مي سي .




و في بستة صالح من اللامي "و على الدرب يا هواي"، نراه يعزفه على ضبط صول ري صول ري ولكن بمقابلته بالخفض إلى لا مي لا مي.




و عوداً على حديث طبقات الضبط، أستشهد هنا بكلام للاستاذ مصطفى سعيد،  إذ يخبرني أنه " في دور البلبل جاني بصوت الشيخ يوسف المنيلاوي، نرى أن الشيخ يوسف يغنّي الدور من طبقة الشاه  في المصطلح التركيّ، وهي طبقةٌ يكون فيها الراست مساوياً لنغمة فا و يعزف معه سامي الشوّا في دوزانٍ خامستين رابعة، و في حالته هذه، الدوزان هو قرار راست، يكاه، دوكاه ثم نواه، والمسموع في الأوتار الحرّة هو فا دو صول دو، فهل معنى هذا أنّ هناك ضبطاً جديداً؟ أبداً، إنّما هو نفس الدوزان العاديّ (صول ري لا ري)  لكن يغيّر فيه الطبقة. و إذا أردت أن أورد مثلاً آخر لاحقٍ لنفس العازف، ففي ترجمته الآليّة لدور كادني الهوا، يستخدم سامي الشوّا نفس الدوزان مع رفعه درجة  صول ري لا ري أو يكاه دوكاه حسيني محير، لكنّه يعامل الدوكاه على أنّها نغمة اليكاه، و يعزف الدور من العشاق مصوّرًاً على اليكاه في طبقة المنصور، تقليداً للشيخ يوسف أيضاً و كذلك ليسهل عليه الصعود بالراست عند ما يغني: للحسن دا بالطبع أميل."

و أقدم ذلك مختصرا في الجدول التالي:


مشاركة

أضف تعليق:

0 comments: